مقالات رأى

مصر تتصدر دول العالم فى جذب استثمارات الطاقة

طباعة

ماذا حدث فى الآونة الأخيرة جعل مصر فى مقدمة دول العالم جذبا للاستثمار فى مجال الطاقة النظيفة؟ ومتى يشعر المواطن بمردود ونتائج هذا الإنجاز الذى أصبح حقيقة تمشى على أرض الواقع؟!

لقد صدر فى الآونة الأخيرة تقرير عن مؤسسة "FDI Markets" التابعة للفايننشال تايمز عن الاستثمار الأجنبى المباشر فى كل دول العالم، لتستحوذ مصر على المركز الأول بنسبة 41% من إجمالى رأس المال المستثمر سنة 2022 على مستوى العالم، ولتحصل على حصة سوقية قدرها 16.73% لتتخطى جميع دول العالم فى جذب استثمارات الطاقة بما فيها المملكة المتحدة التى حلت ثانيا، والولايات المتحدة الأمريكية ثالثا وغيرها. بما يوازى 110 مليارات دولار من إجمالى استثمارات الطاقة المتجددة التي أنفقت طبقا للتقرير المشار إليه آنفا!

لنفسر أرقاما جاءت بالتقرير، منها أن إجمالى رأس المال المستثمر عالميا سنة 2022 هو 1.55 تريليون دولار، أنفقت على عدد 16040 مشروعا، استحوذت مشروعات الطاقة المتجددة على النسبة الكبرى منها بإجمالى استثمارات تقدر 261 مليار دولار، ويأتى هذا بعد الاهتمام الذى أولته الدول الأوروبية بالطاقة المتجددة بعد الحرب الأوكرانية، ورغبة دول أوروبا فى البحث عن بدائل للطاقة الأحفورية (الطاقة التقليدية) والروسية خاصة مثل الفحم والغاز والبترول لتقليل الانبعاثات والحفاظ على البيئة والحد من التلوث من جهة، والتخلص من السيطرة الروسية من الجهة الأخرى.

ومن هذه الاستثمارات العملاقة التى اتفق عليها فى مصر:

    مشروع إقامة مصنع الهيدروجين الأخضر بالعين السخنة محور قناة السويس مع مجموعة شركات أكمى الهندية والمقدر له استثمارات تبلغ 13 مليار دولار لإنتاج 2.2 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويا.

    مشروع شركة جلوبلك ومقرها المملكة المتحدة لإنشاء مركز إنتاج الهيدروجين بقدرة 3.6 جيجاوات بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس؛ حيث سيشغل بواسطة طاقة الرياح والطاقة الشمسية لإنتاج مليونى طن باستثمارات تصل إلى 11 مليار دولار.

وغيرها العديد من المشروعات التى يتم العمل عليها فى محور قناة السويس.

وهنا قد يتبادر إلى الذهن سؤال: هل هناك أسواق لاستهلاك هذا الكم الكبير من الطاقة؟ والإجابة بالطبع نعم، بل إن مصر قد وقعت اتفاقات مع دول السوق الأوروبى المتعطش لهذه الطاقة المتجددة الذى ينتظر التوريد بفارغ الصبر.

وللعلم، فإن مصر تمثل واحدة من أفضل ثلاثة مواقع على مستوى العالم لإنتاج الطاقة المتجددة لتمتعها بالشمس والرياح عالية السرعة على مدى العام، وكذا لتميز موقعها الجغرافى كملتقى لقارتى إفريقيا وآسيا مع قربها من السواحل الأوروبية. 

ويوجد بها أهم مجرى ملاحى عالمى وهو قناة السويس ما يؤهلها لعمل مشروعات لتوريد الطاقة النظيفة إلى المستهلك الأوروبى، وهنا أعتقد أنه قد بدأ يتضح لنا الآن لماذا كان هذا الكم الهائل من مشروعات الطرق والكبارى التى قامت بها الدولة واللازمة لربط المدن الجديدة ومناطق الإنتاج بالموانئ والطرق بما يساعد على سرعة نقل المنتجات إلى جميع بقاع الدولة المصرية!

هذا وقد استحوذت مصر على تسعة عشر مشروعا من أكبر مشروعات إنتاج الهيدروجين الأخضر والطاقة الشمسية الكهروضوئية، ثلاثة عشر مشروعا منها فى المنطقة الصناعية لقناة السويس.

ومن أكبر هذه المشروعات: 

     مشروع بنبان للطاقة المقام بأسوان الذى يمثل أكبر مشروع لإنتاج الطاقة على وجه الأرض قاطبة بطاقة توازى القدرات المتولدة من السد العالى.

     محطة جبل الزيت بالبحر الأحمر لإنتاج الطاقة من الرياح بطاقة 580 ميجاوات.

     محطة الضبعة للطاقة النووية بطاقة 4800 ميجاوات التى حصلت على لقب أفضل ثانى مشروع نووى بالعالم.

وتشمل الخطة أيضا محطة توليد ضخمة فى الحمراوين على ساحل البحر الأحمر بطاقة 6000 ميجاوات.

مما سبق يتضح لنا أن ما قيل قبلا عن الجهد الذى تقوم به وزارة الكهرباء والطاقة المتجددة فى تنفيذ الخطة المصرية الطموحة استنادا إلى استراتيجية الطاقة المتكاملة والمستدامة التى تبنتها الحكومة المصرية التى يدعمها الاتحاد الأوروبى، التى من أجلها تنازلت ألمانيا عن دين قدره 54 مليون يورو لتحويله للاستخدام فى تمويل التحول إلى الطاقة الخضراء فى مصر؛ حيث تعهدت الحكومة الألمانية، فى أثناء انعقاد مؤتمر كوب 27 فى نوفمبر 2022 بشرم الشيخ، بتقديم حزمة مساعدات تصل إلى 250 مليون يورو لمساعدة الحكومة على تحقيق هدفها فى الوصول إلى إنتاج نسبة 42% من إجمالى الكهرباء المنتجة فى مصر من خلال مصادر الطاقة المتجددة بحلول عام 2030!

والسؤال الآن: هل هذا كل شىء؟ وماذا عن الاستثمارات الأخرى فى قطاع الوقود الأحفورى الذى أشرنا إليه أعلاه؟ فهل من جديد؟ تجد الإجابة فى التقرير ذاته؛ حيث استحوذت مصر على استثمارات قدرها 104 مليارات دولار وبنسبة زيادة 580% ليأتى قطاع الوقود الأحفورى فى المركز الثانى لأكبر القطاعات الاستثمارية فى الاقتصاد المصرى بعد قطاع الطاقة المتجددة المتصدر المشهد باستثمارات 110 مليارات دولار.

وإذا نظرنا فى تدفقات الاستثمار الأجنبى المباشر إقليميا لسنة 2022 فستجد أن مصر فى صدارة المشهد أيضا بمبلغ 11.4 مليار دولار استثمار مباشر؛ حيث حلت ثانيا بعد الإمارات التى حققت طفرة غير مسبوقة لأول مرة فى تاريخ الاستثمار لديها هذا العام بمبلغ يقارب 22 مليار دولار ثم السعودية ثالثا بمبلغ ثمانية مليارات.

وهنا يسأل البعض: أين المواطن من كل هذه الأرقام؟ ولماذا لا نشعر بها أو نرى تأثيراتها فى الاقتصاد؟

الجواب جاء فى تقرير التنافسية العالمية للمنتدى الاقتصادى العالمى الذى ذكر فيه تقدم مصر فى جودة الطرق لتحتل المركز 28 على مستوى العالم متفوقة على دول كبرى مثل كندا والصين، ودول أوروبية مثل بريطانيا والنرويج وإيطاليا وغيرها، ولتقفز مصر مائة مركز للأمام تقريبا خلال خمس سنوات!

ولتتضخم شبكة الطرق فى مصر من نحو 23 ألف كيلو متر سنة 2013 ليضاف إليها سبعة آلاف كيلو متر جديدة مع تحسين وتطوير نحو عشرة آلاف كيلو متر من الطرق القديمة، وكذا تطوير ورفع كفاءة 36 ألف كم من شبكة الطرق المحلية داخل المحافظات، ما دعا أكبر بنك فى العالم "جولدمان ساكس" أن يذكر فى تقريره الأخير أن الاقتصاد المصرى سيقفز إلى المركز 12 عالميا فى الفترة من سنة 2035 -2050، ثم يصبح السابع عالميا فى الفترة التى تليها من 2050 -2075! ما أحدث جلبة فى الأوساط الاقتصادية عالميا، وساق العديد من الهيئات الاقتصادية إلى مراجعة بياناتها، وجاء هذا التقدير بناء على العديد من المقاييس التى يضعها البنك الأمريكى الأضخم فى الاعتبار عن إعداد مثل هذه التقارير.

ومن الطبيعى أن كل هذه الاستثمارات وغيرها من عناصر القوة هى التى دعت جولدمان ساكس لإصدار مثل هذا التوقع؛ حيث إنه قد اتفق على هذه الاستثمارات بالفعل، ووقعت الاتفاقات الخاصة بها إلا أنها مازالت فى مراحل الإنشاء وتحتاج إلى القليل من الصبر والمتابعة حتى تؤتى ثمارها!

فمن جد وجد، ومن زرع حصد، والقادم أفضل دون شك! 

وقد كان الرئيس السيسى محقا تماما حينما صرح منذ عدة أسابيع أن الدولار سيصبح تاريخا. 

وإن غدا لناظره قريب.

طباعة

    تعريف الكاتب

    د. أحمد عرفان

    د. أحمد عرفان

    استشارى تكنولوجيا المعلومات